فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى الأئمة عن عمرو عن ابن عباس قرأ معقّبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه فهذا قد بيّن المعنى.
وقال كِنَانة العَدَويّ: دخل عثمان رضي الله تعالى عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرني عن العبد كم معه من مَلَك؟ قال: «مَلَك عن يمينك يكتب الحسنات وآخر عن الشمال يكتب السيئات والذي على اليمين أمير على الذي على الشمال فإذا عَمِلت حسنة كُتبت عشرًا وإذا عمِلت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين أأكتب قال لا لعله يستغفر الله تعالى أو يتوب إليه فإذا قال ثلاثًا قال نعم اكتب أراحنا الله تعالى منه فبئس القرين هو ما أقلّ مراقبته لله عز وجل وأقل استحياءه منا يقول الله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] ومَلَكَان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحَفْظُونَهُ مِنَ أَمْرِ اللَّهِ} وملَك قابض على ناصيتك فإذا تواضعتَ لله رفعك وإذا تَجَبَّرْتَ على الله قَصَمكَ وملَكَان على شَفَتيك وليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد وآله ومَلَك قائم على فِيك لا يدع أن تدخل الحية في فِيك وملَكَان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار لأن ملائكة الليل ليسوا بملائكة النهار فهؤلاء عشرون مَلكًا على كل آدمي وإبليس مع ابن آدم بالنهار وولده بالليل» ذكره الثعلبيّ.
قال الحسن: المعقّبات أربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر.
واختيار الطَّبريّ: أن المعقّبات المواكب بين أيدي الأمراء وخَلْفهم؛ والهاء في {له} لهنّ؛ على ما تقدّم.
وقال العلماء رضوان الله عليهم: إن الله سبحانه جعل أوامره على وجهين: أحدهما: قضى حلوله ووقوعه بصاحبه؛ فذلك لا يدفعه أحد ولا يغيره.
والآخر: قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظ.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغيّر ما بقوم حتى يقع منهم تغيير، إما منهم أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب؛ كما غيّر الله بالمنهزمين يوم أُحُد بسبب تغيير الرّماة بأنفسهم، إلى غير هذا من أمثلة الشَّريعة؛ فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل أَنَهلِك وفينا الصّالحون؟ قال: «نعم إذا كَثُر الْخُبْثُ».
والله أعلم.
قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا} أي هلاكًا وعذابًا،: {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}.
وقيل: إذا أراد بهم بلاء من أمراض وأسقام فلا مردّ لبلائه.
وقيل: إذا أراد الله بقوم سوءًا أعمى أبصارهم حتى يختاروا ما فيه البلاء ويعملوه؛ فيمشون إلى هلاكهم بأقدامهم، حتى يبحث أحدهم عن حتفة بكفه، ويسعى بقدمه إلى إراقة دمه.
{وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} أي ملجأ؛ وهو معنى قول السُّدي.
وقيل: من ناصر يمنعهم من عذابه؛ وقال الشاعر:
ما في السماء سوى الرحمنِ من وَالِ

ووَالٍ ووَليّ كقادر وقدير. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {سواء منكم من أسرَّ القول ومن جهر به} أي مستو منكم من أخفى القول وكتمه ومن أظهره وأعلنه، والمعنى أنه قد استوى في علم الله تعالى المسرّ بالقول والجاهر به: {ومن هو مستخف بالليل} أي مستتر بظلمته: {وسارب بالنهار} أي ذاهب بالنهار في سربه ظاهر.
والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق.
وقال القتيبي: السارب المتصرف في حوائجه.
قال ابن عباس في هذه الآية: هو صاحب ريبة مستخف بالليل، وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم.
وقيل: مستخف بالليل ظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته إذا كتمته وسارب بالنهار أي متوارٍ دخل في السرب مستخفيًا، ومعنى الآية: سواء ما أضمرت به القلوب أو نطقت به الألسن، وسواء من أقدم على القبائح مستترًا في ظلمات الليل أو أتى بها ظاهرًا في النهار فان علمه تعالى محيط بالكل: {له معقبات} يعني: لله ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة النهار والتعقيب العود بعد البدء وإنما ذكر معقبات بلفظ التأنيث، وإن كان الملائكة ذكورًا لأن واحدها معقب، وجمعها معقبة ثم جمع المعقبة معقبات.
كما قيل أبناوات سعد ورجالات بكر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون.
وقيل: إن مع كل واحد من بني آدم ملكين ملك عن يمينه، وهو صاحب الحسنات وملك عن شمال وهو كاتب السيئات وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل العبد حسنة كتبها له بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة قال صاحب الشمال لصاحب اليمين أكتبها عليه فيقول: انظره لعله يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات، فإن هو تاب منها وإلا قال: اكتبها عليه سيئة واحدة وملك موكل بناصية العبد فإذا تواضع العبد لله رفعه بها، وإن تجبر على الله وضعه بها وملك موكل بعينيه يحفظهما من الأذى وملك موكل بفيه لا يدعه يدخل فيه شيء من الهوام يؤذيه فهؤلاء خمسة أملاك موكلون بالعبد في ليله وخمسة غيرهم في نهاره»
فانظر إلى عظمة الله تعالى وقدرته وكمال شفقته عليك أيها العبد المسكين وهو قوله تعالى: {من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} يعني: يحفظون العبد من بين يديه ومن وراء ظهره، ومعنى من أمر الله بأمر الله وإذنه ما لم يجئ القدر فإذا جاء خلوا عنه.
وقيل: معناه إنهم يحفظونه، بما أمر الله به من الحفظ له.
قال مجاهد: ما من عبد إلا وملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام فما من شيء يأتيه يؤذيه إلا قال له الملك وراءك، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
وقال كعب الأحبار: لولا أن الله تعالى وكلَّ بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن.
وقال ابن جريج: معنى يحفظونه أي يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وهذا على قول من يقول: إن الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات، وقال عكرمة: الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم، ومن خلفهم والضمير في قوله له راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس في معنى هذه الآية: لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من شر الجن وطوارق الليل والنهار.
وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وهما من بني عامر بن زيد وكانت قصتهما على ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال: «أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وهما من بني عامر بن زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه فدخل المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر، وكان من أجمل الناس وكان أعور فقال: يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: دعه فان يرد الله به خيرًا يهده فأقبل حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين. قال: تجعل الأمر لي بعدك؟ قال ليس ذلك لي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء. قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر؟ قال: لا قال: فما تجعل لي؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال: أوليس ذلك لي اليوم قم معي أكلمك فقال معه رسول الله-صلى الله عليه وسلم، وكان عامر قد أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف، فجعل عامر يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه ودار أربد بن ربيعة من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لضربه، فاخترط شبرًا من سيفه ثم حبسه الله تعالى عليه فلم يقدر على سله، وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما صنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته فولى عامر هاربًا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلًا جردًا وشبابًا مردًا.
فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: يمنعني الله من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه، فخرج له خراج في أصل أذنه أخذه منه مثل النار فاشتد عليه فقال غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، ثم ركب فرسه وجعل يركض في الصحراء، ويقول: ادن يا ملك الموت وجعل يقول الشعر، ويقول لئن أبصرت محمدًا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذتهما برمحي فأرسل الله إليه ملكًا فلطمه، فأرداه في التراب ثم عاد فركب جواده حتى مات على ظهره، وأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامر بن الطفيل فمات بالطعن، وأربد بن ربيعة مات بالصاعقة»
وأنزل الله في شأن هذه القصة {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} إلى قوله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه} يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه من أمر الله أي بأمر الله وقيل: إن تلك المعقبات من أمر الله، وفيه تقديم وتأخير تقديره له معقباب من أمر الله يحفظونه من بيه يديه ومن خلفه، وقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم} خطاب لهذين عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، يعني لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة التي أنعم بها عليهم: {حتى يغيروا ما بأنفسهم} يعني: من الحالة الجميلة فيعصون ربهم، ويجحدون نعمه عليهم فعند ذلك تحل نقمته بهم، وهو قوله تعالى: {وإذا أراد الله بقوم سوءًا} يعني هلاكًا وعذابًا: {فلا مرد له} يعني لا يقدر أحد أن يرد ما أنزل الله بهم من قضائه وقدره: {وما لهم من دونه من وال} يعني وليس لهم من دون الله من وال يلي أمرهم ونصرهم ويمنع العذاب عنهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول}
ولما ذكر أنه تعالى عالم الغيب والشهادة على العموم، ذكر تعالى تعلق علمه بشيء خاص من أحوال المكلفين، فقال: سواء منكم الآية.
والمعنى: سواء في علمه المسر القول، والجاهر به لا يخفى عليه شيء من أقواله.
وسواء تقدم الكلام فيه، وفي معانيه، وهو هنا بمعنى مستو، وهو لا يثني في أشهر اللغات.
وحكى أبو زيد تثنيته فتقول: هما سواءان.
وقيل: هو على حذف أي: سواء منكم سرّ من أسرّ القول، وجهر من جهر به، وأعربوا سواء خبر مبتدأ أو من أسر، والمعطوف عليه مبتدأ.
ويجوز أن يكون سواء مبتدأ لأنه موصوف بقوله: منكم، ومن المعطوف الخبر.
وكذا أعرب سيبويه قول العرب: سواء عليه الخير والشر.
وقول ابن عطية: إن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة، وهو لا يصح.
وقال ابن عباس: مستخف مستتر وسارب ظاهر.
وقال مجاهد: مستخف بالمعاصي.
وتفسير الأخفش وقطرب: المستخفي هنا بالظاهر.
وإن كان موجودًا في اللغة ينبو عنه اقترانه بالليل، واقتران السارب بالنهار.
وتقابل الوصفان في قوله: {ومن هو مستخف}، إذ قابل من أسر القول.
وفي قوله: سارب بالنهار إذ قابل ومن جهر به.
والمعنى والله أعلم إنه تعالى محيط علمه بأقوال المكلفين وأفعالهم، لا يعزب عنه شيء من ذلك.
وظاهر التقسيم يقتضي تكرار من، لكنه حذف للعلم به، إذ تقدم قوله: {من أسرّ القول ومن جهر به}، لكن ذلك لا يجوز على مذهب البصريين، وأجازه الكوفيون.
ويجوز أن يكون: وسارب، معطوفًا على من، لا على مستخف، فيصح التقسيم.
كأنه قيل: سواء شخص هو مستخف بالليل، وشخص هو سارب بالنهار.
ويجوز أن يكون معطوفًا على مستخف.
وأريد بمن اثنان، وحمل على المعنى في تقسيم خبر المبتدأ الذي هو هو، وعلى لفظ من في إفراد هو.
والمعنى: سواء اللذان هما مستخف بالليل والسارب بالنهار، هو رجل واحد يستخفي بالليل ويسرب بالنهار، وليرى نصرفه في الناس.
قال ابن عطية: فهذا قسم واحد، جعل الله نهار راحته.
والمعنى: هذا والذي أمره كله واحد بريء من الريب، سواء في اطلاع الله تعالى على الكل.
ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار من، ولا يأتي حذفها إلا في الشعر.
وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف.